موريتانيا تدفع نحو تصعيد التوتر مع المغرب بورقة الصحراء وتعيد سيناريو مخطط فشل قبل أربعة عقود تدفع موريتانيا إلى المزيد من التوتر في علاقاتها بالرباط. وقد ذهبت في تصرفاتها التي تنافي حسن الجوار إلى حد التآمر على الوحدة الترابية للمملكة المغربية، عن طريق السماح لمليشيات جبهة بوليساريو بالعبور عبر التراب الموريتاني من أجل الوصول إلى أقرب نقطة حدودية جنوب المغرب في منطقة "كركرات". أصل الأزمة… سياسي إذا كانت هذه التصرفات غير محسوبة سياسيا حاليا، فإنها قد تنشئ أوضاعا جغرافية وقانونية يصعب تحييدها لاحقا، ما يضفي على الأعمال العدائية لموريتانيا حيال المغرب صفة العدائية، باعتبارها تفتح الباب أمام تطورات سياسية بدأت تأخذ منحى عسكريا منذ تحركت القوات المسلحة الملكية إلى أقرب نقطة من المعبر الحدودي في الجنوب من أجل مراقبة الوضع، ومتابعة ما تصنعه "المراهقة السياسية" للنظام الموريتاني. حكاية الأزمة بدأت بعد أن اعتذرت الرباط للرئيس الموريتاني، محمد ولد عبد العزيز، عن تنظيم زيارة طلبها للقاء الملك بالمغرب، فالأجندة الملكية لم تكن تسمح حينها، وهو ما اعتبره الرئيس الموريتاني إذلالا له لأنه كان يريد أن تكون أول زيارة رسمية له خارج نواكشوط في الرباط. بعدها اقترح المغرب موعدا جديدا للزيارة غير أن الرئيس الموريتاني من اعتذر هذه المرة وفجأة ظهر على وسائل الإعلام في زيارة إلى الجزائر، فيما اعتبر حينها أنها رسالة موجهة ضد المغرب، تشي ببناء علاقات سياسية مع الجارة الشرقية على حسابات العلاقات التاريخية والقبلية والجغرافية التي تجمع المغرب بموريتانيا. بعد هذين الواقعين توشحت العلاقات بين البلدين بالسواد وتحولت مع الوقت إلى أزمة سياسية صامتة لأكثر من ثلاث سنوات. فتِّش عن الجزائر ! "لمن أراد أن يفهم الأزمة المغربية الموريتانية فليبحث عن الجزائر"، عبارة يرددها الكثير من الساسة الموريتانيين أنفسهم، كما المغاربة. لكن ما تناساه الرئيس الموريتاني، الذي بات يقايض علاقات بلاده بالرباط بعلاقاته مع الجزائر وباللعب بورقة الصحراء، عن طريق الاستقبالات المتكررة لوفود جبهة بوليساريو في القصر الرئاسي، والسماح لميليشيات الجبهة بالوصول إلى منطقة "لكويرة" أقرب نقطة حدودية للمغرب، (ما تنساه) أن المملكة كانت أول دولة دعمت وصوله إلى السلطة، في وقت بادرت فيه الجزائر عن طريق رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي آنذاك، وزير الخارجية الحالي، رمطان لعمامرة، إلى تجميد عضوية موريتانيا في الاتحاد. وما نسيه الرئيس الموريتاني أن المغرب أوفد إليه كبار المسؤولين المغاربة، على رأسهم مدير المخابرات العسكرية ياسين المنصوري، وقد شكلت هذه الزيارة أول نشاط رسمي للرئيس الذي جاء إلى السلطة إثر انقلاب عسكري أزاح الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله سنة 2008. بعد نشوب الأزمة التجأ الرئيس الموريتاني إلى الجزائر، وبعد أن نسج علاقات قوية مع قيادات جبهة بوليساريو وصلت إلى حد التشاور السياسي بشأن الخطوات العدائية التي تخطط لها الجبهة ضد المغرب، بدأ عملية تطبيع مع الجزائر التي عارضت وصوله إلى السلطة علانية في البداية، ورفضت استقباله بدعوى أنه قائد انقلاب، وحركت ضده رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي آنذاك، الذي ليس إلا وزير الخارجية الجزائري حاليا، من أجل تأليب المجتمع الدولي الإفريقي ضده وتجميد عضوية موريتانيا في الاتحاد الإفريقي، إلى حين تقديم الولاء للجزائر، وهو ما يتم منذ اندلاع الأزمة الموريتانية الجزائرية، بشكل يؤكد أن هياكل الاتحاد تحولت فعلا إلى وسيلة لابتزاز الدول الإفريقية وانتزاع مواقف سياسية من حكامها، وتلك قصة أخرى... تصعيد عسكري دفعت موريتانيا نحو تصعيد التوتر بين المغرب وجبهة بوليساريو، ولعبت على ورقة الصحراء بتنسيق مع الجزائر، من أجل الضغط على الرباط في رحلة تمر فيها العلاقات بين البلدين بفتور كبير. وقد بات التصعيد مثار تخوف قوات البعثة الأممية (المينورسو) التي انتقلت إلى المنطقة الحدودية من أجل مراقبة الوضع عن كثب. في هذا السياق المتوتر بفعل الأعمال التآمرية لموريتانيا دخلت وساطة أمريكية على الخط لخفض التصعيد العسكرية بمنطقة "كركرات"، بعد أن نقلت القوات المسلحة المغربية جنودا وعتادا إلى هذه النقطة الحدودية، في استباق لكل محاولات فرض الأمر الواقع الميداني العسكري الذي تخطط له مليشيات تابعة لجبهة بوليساريو بتواطؤ مكشوف مع موريتانيا. ونشط دبلوماسيون أمريكيون بالرباط في هذه الفترة من أجل نزع فتيل التوتر، بالتنسيق مع السلطات المغربية وقوات بعثة المينورسو المرابطة في المنطقة حيث لا يفصل الطرفان المغربي وبوليساريو أكثر من 120 مترا في تقارب هو الأخطر من نوعه منذ توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار. مساعي الوساطة الأمريكية تأتي بعد تقييم للوضع، على ضوء المعطيات التي توفرت لدى السفارة الأمريكية في الرباط، أبانت وجود تهديدات بمواجهة حقيقية تنذر بالاندلاع قرب منطقة تقع تحت إدارة قوات المينورسو. ووفق تقارير أمنية فإن كل تحركات مليشيات بوليساريو يشرف عليها بشكل مباشر الرئيس الموريتاني، الذي يدير هذه الأنشطة العدائية ضد المغرب ويخطط لها بتنسيق مع الجزائر منذ أشهر. وتشير التقارير نفسها إلى أن قوات بوليساريو تعبر نحو المنطقة الحدودية عبر التراب الموريتاني بعد السماح لها بالتوغل عشرات الكيلومترات داخل تراب الجار الجنوبي قبل أن تعرج إلى أقرب نقطة لـ"كركرات"، ذلك أن بوليساريو لا يمكنها الوصول إلى هذه المنطقة دون تواطؤ من قبل السلطات الموريتانية. ما يفيد بوجود اتفاق سري بين موريتانيا والجزائر لتنفيذ مخطط جاهز لا يختلف عن سيناريو مخطط 1979 حينما تآمرت موريتانيا والجزائر ضد المغرب، بموجب اتفاق يقضي بتسليم جهة الداخلة، التابعة ترابيا حينها لسلطات نواكشوط إلى جبهة بوليساريو. إحسان الحافظي يوم أفشل الحسن الثاني المؤامرة في صيف 1978 بعث سايروس فونس، كاتب الدولة في الخارجة الأمريكية، إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حينها، جيمي كارتر، برقية يكشف فيها أن أمورا كثيرة تجري في ملف الصحراء. وقال كاتب الدولة في برقية جرى تسريبها ضمن وثائق "وكيليكس"، إن مقر الرئيس الفرنسي، فاليري جيسكار ديستانغ، احتضن أطرافا في نزاع الصحراء، يتعلق الأمر بالمغرب والجزائر وذلك كل على حدة، مضيفا أن الطرفين توصلا إلى اتفاق يقضي بأن يتم تقسيم الصحراء بين المغرب، الذي كان يفترض أن يحتفظ بجهة الساقية الحمراء، وجبهة بوليساريو التي تستقر في جهة وادي الذهب. الحدث تزامن مع الانقلاب الذي قاده الرئيس الموريتاني السابق ولد هيدالا، والذي أبدى رغبته في مغادرة وادي الذهب والابتعاد عن مشاكل الصحراء بتواطؤ من النظام الجزائري في عهد الهواري بومدين. البرقية التي كشفتها الخارجية الأمريكية، تفيد أن اجتماعا سريا جرى في غشت من 1979 واحتضنته الجزائر، تم خلالها التآمر بين الجزائر وموريتانيا وبوليساريو ضد المغرب، ومفاد الاتفاق أن تتخلى نواكشوط عن وادي الذهب (تيريس الغربية حينها) وتدخل إليها قوات بوليساريو ليبقى المغرب وحده في مواجهة الجبهة التي ستتولى الحرب ضد القوات المغربية، بدعم عسكري من الجزائر ومساعدة لوجيستيكية وتسهيل التنقلات من قبل النظام الحاكم في موريتانيا. ووفق البرقية فإن هذا المخطط فشل بعدما استبق الحسن الثاني دخول الجيوش المغربية إلى المنطقة التي انسحبت منها موريتانيا وفرض واقعا ميدانيا جديدا وأد المخطط التآمري. الرد المغربي بدأ بالدخول العسكري إلى منطقة وادي الذهب، ثم تلاه استقدام أعيان من الصحراء قدموا البيعة للملك الحسن الثاني. فقد كانت الخطة، تقول برقية سايروس فونس، تراهن على إحداث كيان سياسي في قطعة من أرض الصحراء التي تتخلى عنها موريتانيا (الداخلة وادي الذهب)، غير أن تصرف الحسن الثاني أربك الجميع.